الفصل الثاني
منحنى إمكانيات الإنتاج
The Production Possibilities Frontier (PPF)
أن مشكلة الندرة تتطلب منا العمل نحو استخدام الموارد الاقتصادية النادرة استخداماً أكثر كفاءة، وذلك من أجل إشباع أكبر قدر ممكن من الحاجات والرغبات الإنسانية اللامتناهية. وعلى الرغم من استخدام هذا المبدأ، وبالتالي التوصل إلى مستوى التوظف الكامل في الإنتاج وتحقيق الكفاءة الإنتاجية، إلا أن الاقتصاد لا يستطيع أن يستمر في إنتاج كميات متزايدة من السلع والخدمات المختلفة إلى ما لانهاية. وهذا بالطبع يعني أن الاقتصاد يعتمد على الموارد الإنتاجية المستخدمة والمتوفرة لديه، ولا يستطيع تجاوز الطاقة الإنتاجية القصوى المتاحة له. ويمكن شرح هذه الفكرة باستخدام ما يسمى بـ"منحنى إمكانيات الإنتاج" أو (Production Possibilities Frontier –The PPF) والذي يوضح أقصى كمية يمكن إنتاجها من السلع والخدمات المختلفة في الاقتصاد، وذلك باستخدام الموارد الإنتاجية المتوفرة وباستخدام التقنية المتوفرة. ويعتمد منحنى إمكانيات الإنتاج (PPF) على الافتراضات (Assumptions) التالية:
1- الاقتصاد يعمل عند مستوى التوظف الكامل: ويعنى هذا الافتراض أن جميع عناصر الإنتاج المتوفرة مستخدمة استخداماً أمثلاً، ولا توجد هناك أي عناصر إنتاجية معطلة.
2- ثبات كمية عناصر الإنتاج في الاقتصاد: بحيث لا يمكن زيادة عدد أو حجم أو كميات عناصر الإنتاج المتوفرة في الاقتصاد.
3- ثبات المستوى التقني: ويعني هذا الافتراض استبعاد أي تطور تقني أو فني.
4- سلعتين: حيث نفترض أن الاقتصاد يقوم بإنتاج سلعتين فقط، تتمثل الأولى في سلعة استهلاكية يتم استهلاكها مباشرة، بينما تمثل السلعة الأخرى سلعة رأسمالية، والتي تستخدم في عملية إنتاج سلع وخدمات أخرى (كجهاز إنتاجي معين أو آلة إنتاجية معينة).
إن الافتراضات السابقة توضح أن الكميات التي يستطيع الاقتصاد إنتاجها، هي كميات محددة. وهذا يعني في حال استخدام جميع عناصر الإنتاج المتاحة –مستوى التوظف الكامل- وطبقاً للمستوى التقني المتوفر، فإن الاقتصاد يستطيع إنتاج أقصى كمية ممكنة من السلع والخدمات. ولتوضيح هذه الفكرة، نقوم باستخدام جدول إمكانيات الإنتاج
لنفترض أن الاقتصاد يقوم بإنتاج سلعتين فقط: أسلحة (W) ومواد غذائية (F)، وذلك باستخدام جميع عناصر الإنتاج المتوفرة ومستوى تقنية معين.
يوضح جدول إمكانيات الإنتاج اختيارات متعددة لإنتاج السلعتين (W) و(F)، وذلك عندما يتم استخدم جميع عناصر الإنتاج المتاحة والمستوى التقني المتوفر. فعلى سبيل المثال، فإن الاختيار (A) يعبر عن ذلك المستوى الإنتاجي الذي يتم فيه إنتاج (36) وحدة من المواد الغذائية ولا شيء من الأسلحة. وهذا، يعني بالطبع أن جميع الموارد والطاقات الإنتاجية موجهة بالكامل إلى إنتاج السلعة (F)، في حين لا توجد هنالك عناصر إنتاجية موظفة في إنتاج السلعة الأخرى (W). وبالمقارنة، فإن الاختيار الأخير (I) يوضح حالة مغايرة تماماً، حيث يقوم الاقتصاد بتوجيه جميع طاقاته الإنتاجية لإنتاج السلعة (W) فقط. حيث يقوم بإنتاج (
وحدات منها، في حين لا يتم إنتاج أي وحدة من السلعة الأخرى. أما بالنسبة للتوزيعات الإنتاجية الأخرى والتي تقع بين التوزيع ((A والتوزيع (I)، فتوضح المستويات المختلفة التي يتم فيها إنتاج كميات معينة من السلعتين. فالتوزيع (B) يتضمن إنتاج (35) وحدة من السلعة (F) ووحدة واحدة من السلعة (W)، أما عند التوزيع (H) فإن الاقتصاد يقوم بإنتاج (7) وحدات من السلعة (W) و(
وحدات من السلعة (F).
(وبسبب مشكلة الندرة، فإن زيادة الإنتاج من إحدى السلعتين لا بد وأن يكون على حساب الكمية المنتجة من السلعة الأخرى. أي أن هناك تضحية وتكلفة فرصة بديلة يتم احتسابها. فعندما كانت جميع الطاقات والموارد الاقتصادية موجهة بالكامل نحو إنتاج السلعة (F)، أي عند اختيار التوزيع (A)، تضمن ذلك إنتاج (36( وحدة من السلعة (F) ولاشيء من السلعة (F). ولكن إذا قرر الاقتصاد البدء بإنتاج الوحدة الأولى من السلعة (W)، أي تم اختيار التوزيع (B)، كان ذلك على حساب إنتاج كميات أقل من السلعة (F)، حيث يتم إنتاج (35) وحدة منها. وإذا قرر الاقتصاد الاستمرار في زيادة الإنتاج من السلعة (W) إلى إنتاج وحدتين، أي الاختيار (C)، فإن ذلك سيكون على حساب إنتاج السلعة (F)، حيث تننخفض الكمية المنتجة من (35) إلى (33) وحدة.
إن الانتقال من توزيع إلى توزيع آخر يتضمن أيضاً تقديم تضحية، وبالتالي تكلفة فرصة بديلة. فلانتقال من التوزيع (A) إلى التوزيع (B)، أي زيادة إنتاج السلعة (W) بوحدة واحدة، كان على حساب التضحية بوحدة واحدة من السلعة (F). أما تكلفة الفرصة البديلة لإنتاج الوحدة الإضافية الثانية من السلعة (W)، أي التوزيع (C)، فتعادل وحدتين من السلعة (F) وهكذا. ويوضح جدول (2.2) مقدار التضحية المقدمة.
منحنى إمكانيات الإنتاج:
يمكن استخدام البيانات الموجودة في جدول (2.1) وذلك من أجل التوصل إلى "منحنى إمكانيات الإنتاج" حيث نقوم بقياس السلعة الأولى (W) على المحور السيني والسلعة الأخرى (F) على المحور الصادي.
تجدر الملاحظة هنا أنه وباستخدام الطاقة الإنتاجية القصوى للاقتصاد، أي باستخدام جميع عناصر الإنتاج المتاحة والمستوى التقني المتوفر، فإن أقصى كمية يمكن إنتاجها، هي تلك النقاط الواقعة على منحنى إمكانيات الإنتاج كالنقاط (A, B, C, D, K, I). ويمكن تعريف هذه النقاط، بأنها نقاط إنتاج أمثل، حيث توضح هذه التوزيعات المختلفة أقصى كمية يمكن إنتاجها من السلعتين.
أما النقاط الواقعة داخل المنحنى كالنقطة (Z) في الشكل رقم (2.2)، فهي نقاط إنتاجية غير مثلى، حيث تتميز بعدم الاستغلال الأمثل للموارد الإنتاجية. فعلى سبيل المثال، يمكن الانتقال من النقطة (Z) إلى النقطة (K) الواقعة على منحنى إمكانيات الإنتاج، حيث يضمن هذا الانتقال إنتاج المزيد من السلعة (W) مع الحفاظ على نفس كمية الإنتاج من السلعة (F). ومن جانب آخر، يمكن الانتقال من النقطة (Z) إلى نقطة إنتاج أمثل كالنقطة (B) مثلاً، وينتج عن هذا الانتقال زيادة الإنتاج من السلعة ((K مع المحافظة على نفس الكمية المنتجة من السلعة (W). وأخيراً، يمكن زيادة الكمية المنتجة من السلعتين، وذلك عن طريق التحرك إلى النقاط الواقعة على المنحنى بين التوزيعين (K) و (B). إذاً، فإن نقاط الإنتاج غير المثلى، هي تلك التي تقع داخل المنحنى، ويمكن في نفس الوقت زيادة الكمية المنتجة من السلعتين أو أحداهما دون تقليل الإنتاج من السلعة الأخرى. أما بالنسبة للنقاط الواقعة خارج المنحنى، فهي نقاط إنتاج تقع خارج نطاق القدرات الإنتاجية للاقتصاد حالياً. فبما أن أقصى ما يمكن إنتاجه من سلع وخدمات، لا بد وأن يقع على المنحنى نفسه، فإن النقاط الخارجية كالنقطة (M)، هي نقطة إنتاجية مرغوبة (حيث تتضمن كميات أكبر من السلعتين أو على الأقل سلعة واحدة) لكنها نقطة إنتاجية غير متاحة (لا يمكن التوصل إليها في ظل عناصر الإنتاج المتاحة والمستوى التقني المتوفر). ويوضح الشكل رقم (2.2) النقاط الواقعة داخل المنحنى والنقاط الخارجية.
منحنى إمكانيات الإنتاج
كل نقطة تقع على المنحنى، تمثل نقطة إنتاج أمثل. حيث يتم إنتاج أكبر قدر ممكن من السلع والخدمات باستخدام العناصر الإنتاجية المتاحة والمستوى التقني المتوفر. أما النقاط التي تقع داخل المنحنى، فهي نقاط إنتاج متاحة لكن غير مرغوبة، حيث تمثل هدر وسوء استخدام العناصر الإنتاجية المتوفرة. أما النقاط التي تقع خارج المنحنى، فهي نقاط إنتاج مرغوبة، لكن غير متاحة في ظل الطاقة الإنتاجية المتوفرة والمستوى التقني المتاح.
انتقال منحنى إمكانيات الإنتاج:
تجدر الإشارة إلى، أن الموقع الذي يتم رسم منحنى إمكانيات الإنتاج فيه يعتمد على الطاقة الإنتاجية المتوفرة والمستوى التقني المتاح. فإذا كانت الطاقة الإنتاجية لاقتصاد معين أكبر من اقتصاد آخر، فإن منحنى إمكانيات الإنتاج يكون إلى اليمين (إلى الخارج). والأسباب التي تدفع إلى انتقال منحنى إمكانيات الإنتاج:
1- تغير حجم، عدد، أو كفاءة عناصر الإنتاج: إن زيادة عدد العمال المستخدمين في عملية الإنتاج، سيؤدي إلى انتقال منحنى إمكانيات الإنتاج إلى اليمين وإلى الأعلى، في حين إن فقدان العمالة للمهارات سيؤدي إلى انتقال المنحنى إلى الداخل.
- تغير المستوى التقني: أن التطور التقني، سيؤدي إلى انتقال المنحنى إلى اليمين، في حين إن رداءة التقنية المستخدمة في الإنتاج، ستعمل على انتقال المنحنى للداخل.