( تَنْبِيه ) :
قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : إِذَا قُلْنَا إِنَّ تَقْدِيم الْخَبَر عَلَى الْمُبْتَدَأ يُفِيد الْقَصْر فَفِي قَوْله " وَإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوَى " نَوْعَانِ مِنْ الْحَصْر : قَصْر الْمُسْنَد عَلَى الْمُسْنَد إِلَيْهِ إِذْ الْمُرَاد إِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوَاهُ , وَالتَّقْدِيم الْمَذْكُور .
قَوْله : ( فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته إِلَى دُنْيَا )
كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع الْأُصُول الَّتِي اِتَّصَلَتْ لَنَا عَنْ الْبُخَارِيّ بِحَذْفِ أَحَد وَجْهَيْ التَّقْسِيم وَهُوَ قَوْله " فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته إِلَى اللَّه وَرَسُوله إِلَخْ " قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَقَعَ هَذَا الْحَدِيث فِي رِوَايَتنَا وَجَمِيع نُسَخ أَصْحَابنَا مَخْرُومًا قَدْ ذَهَبَ شَطْره , وَلَسْت أَدْرِي كَيْفَ وَقَعَ هَذَا الْإِغْفَال , وَمِنْ جِهَة مَنْ عَرَضَ مِنْ رُوَاته ؟ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ غَيْر طَرِيق الْحُمَيْدِيّ مُسْتَوْفًى , وَقَدْ رَوَاهُ لَنَا الْأَثْبَاتُ مِنْ طَرِيق الْحُمَيْدِيّ تَامًّا , وَنَقَلَ اِبْن التِّين كَلَام الْخَطَّابِيّ مُخْتَصَرًا وَفُهِمَ مِنْ قَوْله مَخْرُومًا أَنَّهُ قَدْ يُرِيد أَنَّ فِي السَّنَد اِنْقِطَاعًا فَقَالَ مِنْ قِبَل نَفْسه لِأَنَّ الْبُخَارِيّ لَمْ يَلْقَ الْحُمَيْدِيّ , وَهُوَ مِمَّا يُتَعَجَّب مِنْ إِطْلَاقه مَعَ قَوْل الْبُخَارِيّ " حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيّ " وَتَكْرَار ذَلِكَ مِنْهُ فِي هَذَا الْكِتَاب , وَجَزَمَ كُلّ مَنْ تَرْجَمَهُ بِأَنَّ الْحُمَيْدِيّ مِنْ شُيُوخه فِي الْفِقْه وَالْحَدِيث , وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ فِي مَشْيَخَته : لَا عُذْر لِلْبُخَارِيِّ فِي إِسْقَاطه لِأَنَّ الْحُمَيْدِيّ شَيْخه فِيهِ قَدْ رَوَاهُ فِي مُسْنَده عَلَى التَّمَام . قَالَ : وَذَكَرَ قَوْم أَنَّهُ لَعَلَّهُ اِسْتَمْلَاهُ مِنْ حِفْظ الْحُمَيْدِيّ فَحَدَّثَهُ هَكَذَا فَحَدَّثَ عَنْهُ كَمَا سَمِعَ أَوْ حَدَّثَهُ بِهِ تَامًّا فَسَقَطَ مِنْ حِفْظ الْبُخَارِيّ . قَالَ : وَهُوَ أَمْر مُسْتَبْعَد جِدًّا عِنْد مَنْ اِطَّلَعَ عَلَى أَحْوَال الْقَوْم . وَقَالَ الدَّاوُدِيّ الشَّارِح : الْإِسْقَاط فِيهِ مِنْ الْبُخَارِيّ فَوُجُوده فِي رِوَايَة شَيْخه وَشَيْخ شَيْخه يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ اِنْتَهَى . وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق بِشْر بْن مُوسَى وَأَبِي إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ وَغَيْر وَاحِد عَنْ الْحُمَيْدِيّ تَامًّا , وَهُوَ فِي مُصَنَّف قَاسِم بْن أَصْبَغ وَمُسْتَخْرَجَيْ أَبِي نُعَيْم وَصَحِيح أَبِي عَوَانَة مِنْ طَرِيق الْحُمَيْدِيّ , فَإِنْ كَانَ الْإِسْقَاط مِنْ غَيْر الْبُخَارِيّ فَقَدْ يُقَال : لِمَ اِخْتَارَ الِابْتِدَاء بِهَذَا السِّيَاق النَّاقِص ؟ وَالْجَوَاب قَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَيْهِ , وَأَنَّهُ اِخْتَارَ الْحُمَيْدِيّ لِكَوْنِهِ أَجَلّ مَشَايِخه الْمَكِّيِّينَ إِلَى آخِر مَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُنَاسَبَة , وَإِنْ كَانَ الْإِسْقَاط مِنْهُ فَالْجَوَاب مَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّد عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن سَعِيد الْحَافِظ فِي أَجْوِبَة لَهُ عَلَى الْبُخَارِيّ : إِنَّ أَحْسَن مَا يُجَاب بِهِ هُنَا أَنْ يُقَال : لَعَلَّ الْبُخَارِيّ قَصَدَ أَنْ يَجْعَل لِكِتَابِهِ صَدْرًا يَسْتَفْتِح بِهِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِير مِنْ النَّاس مِنْ اِسْتِفْتَاح كُتُبهمْ بِالْخُطَبِ الْمُتَضَمِّنَة لِمَعَانِي مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ التَّأْلِيف , فَكَأَنَّهُ اِبْتَدَأَ كِتَابه بِنِيَّةٍ رَدَّ عِلْمهَا إِلَى اللَّه , فَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ الدُّنْيَا أَوْ عَرَضَ إِلَى شَيْء مِنْ مَعَانِيهَا فَسَيَجْزِيهِ بِنِيَّتِهِ . وَنَكَبَ عَنْ أَحَدِ وَجْهَيْ التَّقْسِيم مُجَانَبَة لِلتَّزْكِيَةِ الَّتِي لَا يُنَاسِب ذِكْرهَا فِي ذَلِكَ الْمَقَام . اِنْتَهَى مُلَخَّصًا . وَحَاصِله أَنَّ الْجُمْلَة الْمَحْذُوفَة تُشْعِر بِالْقُرْبَةِ الْمَحْضَة , وَالْجُمْلَة الْمُبْقَاة تَحْتَمِل التَّرَدُّد بَيْن أَنْ يَكُون مَا قَصَدَهُ يُحَصِّل الْقُرْبَة أَوْ لَا , فَلَمَّا كَانَ الْمُصَنِّف كَالْمُخْبِرِ عَنْ حَال نَفْسه فِي تَصْنِيفه هَذَا بِعِبَارَةِ هَذَا الْحَدِيث حَذَفَ الْجُمْلَة الْمُشْعِرَة بِالْقُرْبَةِ الْمَحْضَة فِرَارًا مِنْ التَّزْكِيَة , وَبَقِيت الْجُمْلَة الْمُتَرَدِّدَة الْمُحْتَمِلَة تَفْوِيضًا لِلْأَمْرِ إِلَى رَبّه الْمُطَّلِع عَلَى سَرِيرَته الْمُجَازِي لَهُ بِمُقْتَضَى نِيَّته . وَلَمَّا كَانَتْ عَادَة الْمُصَنِّفِينَ أَنْ يُضَمِّنُوا الْخُطَب اِصْطِلَاحهمْ فِي مَذَاهِبهمْ وَاخْتِيَارَاتهمْ , وَكَانَ مِنْ رَأْي الْمُصَنِّف جَوَاز اِخْتِصَار الْحَدِيث وَالرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَالتَّدْقِيق فِي الِاسْتِنْبَاط وَإِيثَار الْأَغْمَض عَلَى الْأَجْلَى وَتَرْجِيح الْإِسْنَاد الْوَارِد بِالصِّيَغِ الْمُصَرِّحَة بِالسَّمَاعِ عَلَى غَيْره , اِسْتَعْمَلَ جَمِيع ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع بِعِبَارَةِ هَذَا الْحَدِيث مَتْنًا وَإِسْنَادًا . وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد فِي بَاب الْهِجْرَة تَأَخُّر قَوْله " فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته إِلَى اللَّه وَرَسُوله " عَنْ قَوْله " فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته إِلَى دُنْيَا يُصِيبهَا " , فَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون رِوَايَة الْحُمَيْدِيّ وَقَعَتْ عِنْد الْبُخَارِيّ كَذَلِكَ فَتَكُون الْجُمْلَة الْمَحْذُوفَة هِيَ الْأَخِيرَة كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَة مَنْ يَقْتَصِر عَلَى بَعْض الْحَدِيث . وَعَلَى تَقْدِير أَنْ لَا يَكُون ذَلِكَ فَهُوَ مَصِير مِنْ الْبُخَارِيّ إِلَى جَوَاز الِاخْتِصَار فِي الْحَدِيث وَلَوْ مِنْ أَثْنَائِهِ . وَهَذَا هُوَ الرَّاجِح , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع : إِنْ كَانَ الْحَدِيث عِنْد الْبُخَارِيّ تَامًّا لِمَ خَرَمَهُ فِي صَدْر الْكِتَاب , مَعَ أَنَّ الْخَرْم مُخْتَلَف فِي جَوَازه ؟ قُلْت : لَا جَزْم بِالْخَرْمِ ; لِأَنَّ الْمَقَامَات مُخْتَلِفَة , فَلَعَلَّهُ - فِي مَقَام بَيَان أَنَّ الْإِيمَان بِالنِّيَّةِ وَاعْتِقَاد الْقَلْب - سَمِعَ الْحَدِيث تَامًّا , وَفِي مَقَام أَنَّ الشُّرُوع فِي الْأَعْمَال إِنَّمَا يَصِحّ بِالنِّيَّةِ سَمِعَ ذَلِكَ الْقَدْر الَّذِي رُوِيَ . ثُمَّ الْخَرْم يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مِنْ بَعْض شُيُوخ الْبُخَارِيّ لَا مِنْهُ , ثُمَّ إِنْ كَانَ مِنْهُ فَخَرَمَهُ ثَمَّ لِأَنَّ الْمَقْصُود يَتِمّ بِذَلِكَ الْمِقْدَار . فَإِنْ قُلْت : فَكَانَ الْمُنَاسِب أَنْ يَذْكُر عِنْد الْخَرْم الشِّقّ الَّذِي يَتَعَلَّق بِمَقْصُودِهِ , وَهُوَ أَنَّ النِّيَّة يَنْبَغِي أَنْ تَكُون لِلَّهِ وَرَسُوله . قُلْت : لَعَلَّهُ نَظَرَ إِلَى مَا هُوَ الْغَالِب الْكَثِير بَيْن النَّاس . اِنْتَهَى . وَهُوَ كَلَام مَنْ لَمْ يَطَّلِع عَلَى شَيْء مِنْ أَقْوَال مَنْ قَدَّمْت ذِكْره مِنْ الْأَئِمَّة عَلَى هَذَا الْحَدِيث , وَلَا سِيَّمَا كَلَام اِبْن الْعَرَبِيّ . وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : إِنَّ إِيرَاد الْحَدِيث تَامًّا تَارَة وَغَيْر تَامّ تَارَة إِنَّمَا هُوَ اِخْتِلَاف الرُّوَاة , فَكُلّ مِنْهُمْ قَدْ رَوَى مَا سَمِعَهُ فَلَا خَرْم مِنْ أَحَد , وَلَكِنَّ الْبُخَارِيّ يَذْكُرهَا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يُنَاسِب كُلًّا مِنْهَا بِحَسَبِ الْبَاب الَّذِي يَضَعهُ تَرْجَمَة لَهُ , اِنْتَهَى وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِع عَلَى حَدِيث أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ بِسَنَدٍ وَاحِد مِنْ اِبْتِدَائِهِ إِلَى اِنْتِهَائِهِ فَسَاقَهُ فِي مَوْضِع تَامًّا وَفِي مَوْضِع مُقْتَصِرًا عَلَى بَعْضه , وَهُوَ كَثِير جِدًّا فِي الْجَامِع الصَّحِيح , فَلَا يَرْتَاب مَنْ يَكُون الْحَدِيث صِنَاعَته أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفه ; لِأَنَّهُ عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ صَنِيعه أَنَّهُ لَا يَذْكُر الْحَدِيث الْوَاحِد فِي مَوْضِع عَلَى وَجْهَيْنِ , بَلْ إِنْ كَانَ لَهُ أَكْثَر مِنْ سَنَد عَلَى شَرْطه ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضِع الثَّانِي بِالسَّنَدِ الثَّانِي وَهَكَذَا مَا بَعْده , وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْطه يُعَلِّقهُ فِي الْمَوْضِع الْآخَر تَارَة بِالْجَزْمِ إِنْ كَانَ صَحِيحًا وَتَارَة بِغَيْرِهِ إِنْ كَانَ فِيهِ شَيْء , وَمَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَنَد وَاحِد يَتَصَرَّف فِي مَتْنه بِالِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضه بِحَسَبِ مَا يَتَّفِق , وَلَا يُوجَد فِيهِ حَدِيث وَاحِد مَذْكُور بِتَمَامِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ أَكْثَر إِلَّا نَادِرًا , فَقَدْ عَنِيَ بَعْض مَنْ لَقِيته بِتَتَبُّعِ ذَلِكَ فَحَصَّلَ مِنْهُ نَحْو عِشْرِينَ مَوْضِعًا .
قَوْله : ( هِجْرَته ) الْهِجْرَة : التَّرْك , وَالْهِجْرَة إِلَى الشَّيْء : الِانْتِقَال إِلَيْهِ عَنْ غَيْره . وَفِي الشَّرْع : تَرْك مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ . وَقَدْ وَقَعَتْ فِي الْإِسْلَام عَلَى وَجْهَيْنِ : الْأَوَّل الِانْتِقَال مِنْ دَار الْخَوْف إِلَى دَار الْأَمْن كَمَا فِي هِجْرَتَيْ الْحَبَشَة وَابْتِدَاء الْهِجْرَة مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة , الثَّانِي الْهِجْرَة مِنْ دَار الْكُفْر إِلَى دَار الْإِيمَان وَذَلِكَ بَعْد أَنْ اِسْتَقَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهَاجَرَ إِلَيْهِ مَنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَكَانَتْ الْهِجْرَة إِذْ ذَاكَ تَخْتَصّ بِالِانْتِقَالِ إِلَى الْمَدِينَة , إِلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّة فَانْقَطَعَ مِنْ الِاخْتِصَاص , وَبَقِيَ عُمُوم الِانْتِقَال مِنْ دَار الْكُفْر لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَاقِيًا . فَإِنْ قِيلَ : الْأَصْل تَغَايُر الشَّرْط وَالْجَزَاء فَلَا يُقَال مَثَلًا : مَنْ أَطَاعَ أَطَاعَ وَإِنَّمَا يُقَال مَثَلًا : مَنْ أَطَاعَ نَجَا , وَقَدْ وَقَعَا فِي هَذَا الْحَدِيث مُتَّحِدَيْنِ , فَالْجَوَاب أَنَّ التَّغَايُر يَقَع تَارَة بِاللَّفْظِ وَهُوَ الْأَكْثَر , وَتَارَة بِالْمَعْنَى وَيُفْهَم ذَلِكَ مِنْ السِّيَاق , وَمِنْ أَمْثِلَته قَوْله تَعَالَى ( وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوب إِلَى اللَّه مَتَابًا ) وَهُوَ مُؤَوَّل عَلَى إِرَادَة الْمَعْهُود الْمُسْتَقِرّ فِي النَّفْس , كَقَوْلِهِمْ : أَنْتَ أَنَا . أَيْ : الصَّدِيق الْخَالِص , وَقَوْلهمْ : هُمْ هُمْ . أَيْ : الَّذِينَ لَا يُقَدَّر قَدْرهمْ , وَقَوْل الشَّاعِر أَنَا أَبُو النَّجْم وَشِعْرِي شِعْرِي , أَوْ هُوَ مُؤَوَّل عَلَى إِقَامَة السَّبَب مَقَام الْمُسَبَّب لِاشْتِهَارِ السَّبَب . وَقَالَ اِبْن مَالِك : قَدْ يُقْصَد بِالْخَبَرِ الْفَرْد بَيَان الشُّهْرَة وَعَدَم التَّغَيُّر فَيَتَّحِد بِالْمُبْتَدَأِ لَفْظًا كَقَوْلِ الشَّاعِر : خَلِيلِي خَلِيلِي دُون رَيْب وَرُبَّمَا أَلَانَ اِمْرُؤٌ قَوْلًا فَظُنَّ خَلِيلًا وَقَدْ يُفْعَل مِثْل هَذَا بِجَوَابِ الشَّرْط كَقَوْلِك : مَنْ قَصَدَنِي فَقَدْ قَصَدَنِي . أَيْ : فَقَدْ قَصَدَ مَنْ عُرِفَ بِإِنْجَاحِ قَاصِده , وَقَالَ غَيْره : إِذَا اِتَّحَدَ لَفْظ الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَالشَّرْط وَالْجَزَاء عُلِمَ مِنْهُمَا الْمُبَالَغَة إِمَّا فِي التَّعْظِيم وَإِمَّا فِي التَّحْقِير .
قَوْله : ( إِلَى دُنْيَا )
بِضَمِّ الدَّال , وَحَكَى اِبْن قُتَيْبَة كَسْرهَا , وَهِيَ فُعْلَى مِنْ الدُّنُوّ أَيْ : الْقُرْب , سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَبْقِهَا لِلْأُخْرَى . وَقِيلَ : سُمِّيَتْ دُنْيَا لِدُنُوِّهَا إِلَى الزَّوَال . وَاخْتُلِفَ فِي حَقِيقَتهَا فَقِيلَ مَا عَلَى الْأَرْض مِنْ الْهَوَاء وَالْجَوّ , وَقِيلَ كُلّ الْمَخْلُوقَات مِنْ الْجَوَاهِر وَالْأَعْرَاض , وَالْأُولَى أَوْلَى . لَكِنْ يُزَاد فِيهِ مِمَّا قَبْل قِيَام السَّاعَة , وَيُطْلَق عَلَى كُلّ جُزْء مِنْهَا مَجَازًا . ثُمَّ إِنَّ لَفْظهَا مَقْصُور غَيْر مُنَوَّن , وَحُكِيَ تَنْوِينهَا , وَعَزَاهُ اِبْن دِحْيَة إِلَى رِوَايَة أَبِي الْهَيْثَم الْكُشْمِيهَنِيّ وَضَعَّفَهَا , وَحُكِيَ عَنْ اِبْن مُغَاوِر أَنَّ أَبَا الْهَرَوِيّ فِي آخِر أَمْره كَانَ يَحْذِف كَثِيرًا مِنْ رِوَايَة أَبِي الْهَيْثَم حَيْثُ يَنْفَرِد ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْل الْعِلْم . قُلْت : وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقه , فَإِنَّ فِي رِوَايَة أَبِي الْهَيْثَم مَوَاضِع كَثِيرَة أَصْوَب مِنْ رِوَايَة غَيْره , كَمَا سَيَأْتِي مُبَيَّنًا فِي مَوَاضِعه . وَقَالَ التَّيْمِيُّ فِي شَرْحه : قَوْله " دُنْيَا " هُوَ تَأْنِيث الْأَدْنَى لَيْسَ بِمَصْرُوفٍ , لِاجْتِمَاعِ الْوَصْفِيَّة وَلُزُوم حَرْف التَّأْنِيث . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ لُزُوم التَّأْنِيث لِلْأَلِفِ الْمَقْصُورَة كَافٍ فِي عَدَم الصَّرْف , وَأَمَّا الْوَصْفِيَّة فَقَالَ اِبْن مَالِك : اِسْتِعْمَال دُنْيَا مُنَكَّرًا فِيهِ إِشْكَال ; لِأَنَّهَا فِعْل التَّفْضِيل , فَكَانَ مِنْ حَقّهَا أَنْ تُسْتَعْمَل بِاللَّامِ كَالْكُبْرَى وَالْحُسْنَى , قَالَ : إِلَّا أَنَّهَا خُلِعَتْ عَنْهَا الْوَصْفِيَّة أَوْ أُجْرِيَتْ مَجْرَى مَا لَمْ يَكُنْ وَصْفًا قَطّ , وَمِثْله قَوْل الشَّاعِر : وَإِنْ دَعَوْت إِلَى جُلَّى وَمَكْرُمَة يَوْمًا سَرَاة كِرَام النَّاس فَادْعِينَا وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : قَوْله " إِلَى " يَتَعَلَّق بِالْهِجْرَةِ إِنْ كَانَ لَفْظ كَانَتْ تَامَّة , أَوْ هُوَ خَبَر لِكَانَتْ إِنْ كَانَتْ نَاقِصَة . ثُمَّ أُورِدَ مَا مُحَصَّله : أَنَّ لَفْظ كَانَ إِنْ كَانَ لِلْأَمْرِ الْمَاضِي فَلَا يُعْلَم مَا الْحُكْم بَعْد صُدُور هَذَا الْقَوْل فِي ذَلِكَ . وَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُرَاد بِلَفْظِ كَانَ الْوُجُود مِنْ غَيْر تَقْيِيد بِزَمَانٍ , أَوْ يُقَاس الْمُسْتَقْبَل عَلَى الْمَاضِي , أَوْ مِنْ جِهَة أَنَّ حُكْم الْمُكَلَّفِينَ سَوَاء .
قَوْله : ( يُصِيبهَا )
أَيْ يُحَصِّلهَا ; لِأَنَّ تَحْصِيلهَا كَإِصَابَةِ الْغَرَض بِالسَّهْمِ بِجَامِعِ حُصُول الْمَقْصُود .
قَوْله : ( أَوْ اِمْرَأَة )
قِيلَ التَّنْصِيص عَلَيْهَا مِنْ الْخَاصّ بَعْد الْعَامّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ . وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّ لَفْظ دُنْيَا نَكِرَة وَهِيَ لَا تَعُمّ فِي الْإِثْبَات فَلَا يَلْزَم دُخُول الْمَرْأَة فِيهَا . وَتُعُقِّبَ بِكَوْنِهَا فِي سِيَاق الشَّرْط فَتَعُمّ , وَنُكْتَة الِاهْتِمَام الزِّيَادَة فِي التَّحْذِير ; لِأَنَّ الِافْتِتَان بِهَا أَشَدّ . وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْل عَمَّنْ حَكَى أَنَّ سَبَب هَذَا الْحَدِيث قِصَّة مُهَاجِر أُمّ قَيْس وَلَمْ نَقِفْ عَلَى تَسْمِيَته . وَنَقَلَ اِبْن دِحْيَة أَنَّ اِسْمهَا قَيْلَة بِقَافٍ مَفْتُوحَة ثُمَّ تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة , وَحَكَى اِبْن بَطَّال عَنْ اِبْن سِرَاج أَنَّ السَّبَب فِي تَخْصِيص الْمَرْأَة بِالذِّكْرِ أَنَّ الْعَرَب كَانُوا لَا يُزَوِّجُونَ الْمَوْلَى الْعَرَبِيَّة , وَيُرَاعُونَ الْكَفَاءَة فِي النَّسَب , فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام سَوَّى بَيْن الْمُسْلِمِينَ فِي مُنَاكَحَتهمْ فَهَاجَرَ كَثِير مِنْ النَّاس إِلَى الْمَدِينَة لِيَتَزَوَّج بِهَا مَنْ كَانَ لَا يَصِل إِلَيْهَا قَبْل ذَلِكَ اِنْتَهَى . وَيَحْتَاج إِلَى نَقْل ثَابِت أَنَّ هَذَا الْمُهَاجِر كَانَ مَوْلًى وَكَانَتْ الْمَرْأَة عَرَبِيَّة , وَلَيْسَ مَا نَفَاهُ عَنْ الْعَرَب عَلَى إِطْلَاقه بَلْ قَدْ زُوِّجَ خَلْق كَثِير مِنْهُمْ جَمَاعَة مِنْ مَوَالِيهمْ وَحُلَفَائِهِمْ قَبْل الْإِسْلَام , وَإِطْلَاقه أَنَّ الْإِسْلَام أَبْطَلَ الْكَفَاءَة فِي مَقَام الْمَنْع .
قَوْله : ( فَهِجْرَته إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ )
يُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَكَرَهُ بِالضَّمِيرِ لِيَتَنَاوَل مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَرْأَة وَغَيْرهَا , وَإِنَّمَا أَبْرَزَ الضَّمِير فِي الْجُمْلَة الَّتِي قَبْلهَا وَهِيَ الْمَحْذُوفَة لِقَصْدِ الِالْتِذَاذ بِذِكْرِ اللَّه وَرَسُوله وَعِظَم شَأْنهمَا , بِخِلَافِ الدُّنْيَا وَالْمَرْأَة فَإِنَّ السِّيَاق يُشْعِر بِالْحَثِّ عَلَى الْإِعْرَاض عَنْهُمَا . وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون قَوْله " إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ " مُتَعَلِّقًا بِالْهِجْرَةِ , فَيَكُون الْخَبَر مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِير قَبِيحَة أَوْ غَيْر صَحِيحَة مَثَلًا , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون خَبَر فَهِجْرَته وَالْجُمْلَة خَبَر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ " مَنْ كَانَتْ " اِنْتَهَى . وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الرَّاجِح ; لِأَنَّ الْأَوَّل يَقْتَضِي أَنَّ تِلْكَ الْهِجْرَة مَذْمُومَة مُطْلَقًا , وَلَيْسَ كَذَلِكَ , إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى تَقْدِير شَيْء يَقْتَضِي التَّرَدُّد أَوْ الْقُصُور عَنْ الْهِجْرَة الْخَالِصَة كَمَنْ نَوَى بِهِجْرَتِهِ مُفَارَقَة دَار الْكُفْر وَتَزَوُّج الْمَرْأَة مَعًا فَلَا تَكُون قَبِيحَة وَلَا غَيْر صَحِيحَة , بَلْ هِيَ نَاقِصَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ كَانَتْ هِجْرَته خَالِصَة , وَإِنَّمَا أَشْعَرَ السِّيَاق بِذَمِّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ طَلَبَ الْمَرْأَة بِصُورَةِ الْهِجْرَة الْخَالِصَة , فَأَمَّا مَنْ طَلَبَهَا مَضْمُومَة إِلَى الْهِجْرَة فَإِنَّهُ يُثَاب عَلَى قَصْد الْهِجْرَة لَكِنْ دُون ثَوَاب مَنْ أَخْلَصَ , وَكَذَا مَنْ طَلَبَ التَّزْوِيج فَقَطْ لَا عَلَى صُورَة الْهِجْرَة إِلَى اللَّه ; لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْر الْمُبَاح الَّذِي قَدْ يُثَاب فَاعِله إِذَا قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَة كَالْإِعْفَافِ . وَمِنْ أَمْثِلَة ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي قِصَّة إِسْلَام أَبِي طَلْحَة فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَنَس قَالَ : تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَة أُمّ سُلَيْمٍ فَكَانَ صَدَاق مَا بَيْنهمَا الْإِسْلَام , أَسْلَمَتْ أُمّ سُلَيْمٍ قَبْل أَبِي طَلْحَة فَخَطَبَهَا فَقَالَتْ : إِنِّي قَدْ أَسْلَمْت , فَإِنْ أَسْلَمْت تَزَوَّجْتُك . فَأَسْلَمَ فَتَزَوَّجَتْهُ . وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ رَغِبَ فِي الْإِسْلَام وَدَخَلَهُ مِنْ وَجْهه وَضَمَّ إِلَى ذَلِكَ إِرَادَة التَّزْوِيج الْمُبَاح فَصَارَ كَمَنْ نَوَى بِصَوْمِهِ الْعِبَادَة وَالْحَمِيَّة , أَوْ بِطَوَافِهِ الْعِبَادَة وَمُلَازَمَة الْغَرِيم . وَاخْتَارَ الْغَزَالِيّ فِيمَا يَتَعَلَّق بِالثَّوَابِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْقَصْد الدُّنْيَوِيّ هُوَ الْأَغْلَب لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَجْر , أَوْ الدِّينِيّ أُجِرَ بِقَدْرِهِ , وَإِنْ تَسَاوَيَا فَتَرَدَّدَ الْقَصْد بَيْن الشَّيْئَيْنِ فَلَا أَجْر . وَأَمَّا إِذَا نَوَى الْعِبَادَة وَخَالَطَهَا بِشَيْءٍ مِمَّا يُغَايِر الْإِخْلَاص فَقَدْ نَقَلَ أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير الطَّبَرِيّ عَنْ جُمْهُور السَّلَف أَنَّ الِاعْتِبَار بِالِابْتِدَاءِ , فَإِنْ كَانَ اِبْتِدَاؤُهُ لِلَّهِ خَالِصًا لَمْ يَضُرَّهُ مَا عَرَضَ لَهُ بَعْد ذَلِكَ مِنْ إِعْجَاب أَوْ غَيْره . وَاَللَّه أَعْلَم . وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز الْإِقْدَام عَلَى الْعَمَل قَبْل مَعْرِفَة الْحُكْم ; لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ الْعَمَل يَكُون مُنْتَفِيًا إِذَا خَلَا عَنْ النِّيَّة , وَلَا يَصِحّ نِيَّة فِعْل الشَّيْء إِلَّا بَعْد مَعْرِفَة الْحُكْم , وَعَلَى أَنَّ الْغَافِل لَا تَكْلِيف عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْقَصْد يَسْتَلْزِم الْعِلْم بِالْمَقْصُودِ وَالْغَافِل غَيْر قَاصِد , وَعَلَى أَنَّ مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا بِنِيَّةٍ قَبْل الزَّوَال أَنْ لَا يُحْسَبَ لَهُ إِلَّا مِنْ وَقْت النِّيَّة وَهُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيث , لَكِنْ تَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِانْعِطَافِهَا بِدَلِيلٍ آخَر , وَنَظِيره حَدِيث " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاة رَكْعَة فَقَدْ أَدْرَكَهَا " أَيْ : أَدْرَكَ فَضِيلَة الْجَمَاعَة أَوْ الْوَقْت , وَذَلِكَ بِالِانْعِطَافِ الَّذِي اِقْتَضَاهُ فَضْل اللَّه تَعَالَى , وَعَلَى أَنَّ الْوَاحِد الثِّقَة إِذَا كَانَ فِي مَجْلِس جَمَاعَة ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِس شَيْئًا لَا يُمْكِن غَفْلَتهمْ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرهُ غَيْره أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَح فِي صِدْقه , خِلَافًا لِمَنْ أُعِلَّ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ عَلْقَمَة ذَكَرَ أَنَّ عُمَر خَطَبَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَر ثُمَّ لَمْ يَصِحّ مِنْ جِهَة أَحَد عَنْهُ غَيْر عَلْقَمَة . وَاسْتُدِلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ مَا لَيْسَ بِعَمَلٍ لَا تُشْتَرَط النِّيَّة فِيهِ , وَمِنْ أَمْثِلَة ذَلِكَ جَمْع التَّقْدِيم فَإِنَّ الرَّاجِح مِنْ حَيْثُ النَّظَر أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط لَهُ نِيَّة , بِخِلَافِ مَا رَجَّحَهُ كَثِير مِنْ الشَّافِعِيَّة وَخَالَفَهُمْ شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام وَقَالَ : الْجَمْع لَيْسَ بِعَمَلٍ , وَإِنَّمَا الْعَمَل الصَّلَاة . وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جَمَعَ فِي غَزْوَة تَبُوك وَلَمْ يَذْكُر ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ مَعَهُ , وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَأَعْلَمَهُمْ بِهِ , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعَمَل إِذَا كَانَ مُضَافًا إِلَى سَبَب وَيَجْمَع مُتَعَدِّده جِنْس أَنَّ نِيَّة الْجِنْس تَكْفِي , كَمَنْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَة وَلَمْ يُعَيِّن كَوْنهَا عَنْ ظِهَار أَوْ غَيْره ; لِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْأَعْمَال بِنِيَّاتِهَا , وَالْعَمَل هُنَا الْقِيَام بِاَلَّذِي يَخْرَج عَنْ الْكَفَّارَة اللَّازِمَة وَهُوَ غَيْر مُحْوِج إِلَى تَعْيِين سَبَب , وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَة - وَشَكَّ فِي سَبَبهَا - أَجْزَأَهُ إِخْرَاجهَا بِغَيْرِ تَعْيِين . وَفِيهِ زِيَادَة النَّصّ عَلَى السَّبَب ; لِأَنَّ الْحَدِيث سِيقَ فِي قِصَّة الْمُهَاجِر لِتَزْوِيجِ الْمَرْأَة , فَذِكْر الدُّنْيَا فِي الْقِصَّة زِيَادَة فِي التَّحْذِير وَالتَّنْفِير . وَقَالَ شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام : فِيهِ إِطْلَاق الْعَامّ وَإِنْ كَانَ سَبَبه خَاصًّا , فَيُسْتَنْبَط مِنْهُ الْإِشَارَة إِلَى أَنَّ الْعِبْرَة بِعُمُومِ اللَّفْظ لَا بِخُصُوصِ السَّبَب , وَسَيَأْتِي ذِكْر كَثِير مِنْ فَوَائِد هَذَا الْحَدِيث فِي كِتَاب الْإِيمَان حَيْثُ قَالَ الْمُصَنِّف فِي التَّرْجَمَة فَدَخَلَ فِيهِ الْعِبَادَات وَالْأَحْكَام إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق . منقول