إذا أرسلت بصرك الى جهة الشرق من متحف تماثيل الجنود والخيول للإمبراطور شي هوانغ دي، بدت في مرآك تلة مكسوة بنباتات خضراء نضرة. لكنها ليست تلة طبيعية عادية، بل كومة قبر دفن تحتها أول إمبراطور في تاريخ الصين، ألا وهو ينغ تشنغ المعروف بلقب الإمبراطور شي هوانغ دي لأسرة تشين الملكية (221 – 207 ق.م).
كانت أسرة تشين الملكية خلال حياة الإمبراطور شي هوانغ دي في أوج ازدهارها وقوتها. فعاش الإمبراطور حياة الترف والبذخ. وأكثر من ذلك، أمر ببناء ضريح ضخم فاخر لنفسه بغية التمتع بالجاه والثروة بعد الموت. لقد استغرق مشروع بناء الضريح 39 سنة، وهي أطول بثماني سنوات من مشروع بناء هرم خوفو المصري، وسخر في سبيله 720 ألف عامل، أي ما يعادل 8 أضعاف بناة هرم خوفو.
كان الإمبراطور شي هوانغ دي متسلطا عسوفا في التصرفات، وانعكس ذلك في بناء ضريحه أيضا. فقد سعى وراء "الأكبر والأعلى والأوسع"، بحيث بلغ ارتفاع ضريحه 115 مترا، وشغل 56.25 كيلومترا مربعا من الأرض. وفي حفرة من حفر المدفونات الجنائزية التابعة للضريح، دفن ما يتراوح بين 500 و600 حصان حقيقي. أما موكب تماثيل الجنود والخيول الصلصالية المهيبة التي دفنت مع الإمبراطور الميت، فليس من أجل إبراز سلطته السياسية فحسب، بل الأرجح للحفاظ على كرامة الإمبراطور واحترامه الذاتي.
تحت كومة القبر قصر أرضي وهو القسم الجوهري لضريح الإمبراطور. فيه يوضع نعش الإمبراطور والمدفونات الجنائزية الثمينة له. ورد في الكتب التاريخية كثير من الأوصاف عن القصر الأرضي، منها ما كتبه المؤرخ سيما تشيان لعهد أسرة هان الملكية (206ق.م – 220م) في ((السجلات التاريخية)): "حفرة قبر الإمبراطور عميقة جدا. وقد صب فيها سائل النحاس قبل وضع التابوت فيها. وركبت على باب القصر الأرضي أقواس وأسلحة سرية للحيلولة دون السرقة. وتم تشكيل الأنهار والبحار بالزئبق في القبر وجعل مياهها تجري وتتدفق بقوة ميكانيكية. سقف القبر مزخرف بشمس وقمر وكواكب سماوية. وأرضية القبر مزينة بمناظر الجبال والبحيرات والولايات والمدن. كما تضاء في القبر قناديل بزيت الأطوم (ناقة البحر) وهي لا تنطفئ لوقت طويل."
كشف الاختبار العلمي أن ثمة تفاعلا قويا غير طبيعي للزئبق في ضريح الإمبراطور شي هوانغ دي يتوزع على مساحة 12 ألف متر مربع في ترتيب هندسي. فيبدو الكلام عن تشكيل الأنهار والبحار بالزئبق داخل القبر قابلا للتصديق. لكن لا نستطيع أن نعرف أحوال القصر الأرضي الحقيقية إلا بعد فتحه.
حتى الآن، قد عثر على أكثر من 600 موقع أثري في منطقة ضريح الإمبراطور شي هوانغ دي. وأتت حفر تماثيل الجنود والخيول بأنها أهم الأجزاء من بينها. مع ذلك، لا يجد الناس في المصادر التاريخية أي وصف عن هذه التماثيل. وقد يعود سببه الى ضخامة حجم الضريح وكثرة الكنوز المدفونة فيه. فلا تعتبر تماثيل الجنود والخيول شيئا مهما بالمقارنة مع النفائس المتنوعة الأخرى في القصر الأرضي. وهناك احتمال آخر، هو أن قبر الإمبراطور أعلى أسرار الدولة، فلا يسمح لأشخاص لا صلة لهم بالأمر أن يعرفوه، ولا يجوز تسجيله بالنصوص.
عرش الامبراطور تشين